1 ـ أسباب سقوط الدولة الأموية.
قيل لبني أمية : " بأي شيء ذهب ملككم . فقالوا : بتضييع الحزم و ترك شغل اليوم إلى الغد ".
الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة الأموية، هي :
1 ـ الصراع العائلي على الحكم : و جعل ولاية العهد لأكثر من واحد مما ولد صراعات مستمرة على الحكم، و أطمع فيها الثائرين.
2 ـ ثورات الخوراج المتكررة و المستمرة.
3 ـ الحروب الأهلية و العصبية القبلية التي أثارتها المضرية و اليمنية : نصرت قبيلة كلب اليمانية مروان بن الحكم، و قاتلت معه الضحاك بن قيس الفهري زعيم القيسية و كان يدعو إلى عبد الله بن الزبير في الشام، و انتصر مروان في معركة مرج راهط سنة 64ه بسواعد الكلبيين.. و من بعدها تأصلت العداوة بين الكلبيين و القيسيين.. و سرت هذه العداوة إلى الأندلس و خراسان، و انضم اليمانية الكلبيين إلى المعارضة في النهاية و مالوا مع أبي مسلم الخراساني ضد نصر بن سيار، و أفاد أبو مسلم من هذا الصراع القبلي الذي أضعف الحكم الأموي.
4 ـ التعصب و الإفتخار القبلي من أهم أسباب التفكك .
5 ـ بذخ الأمراء و إسرافهم : البذخ يدعم الملك و يكسب الولاء، و يفيض العطايا على الشعراء ـ إعلام ذلك العصر ـ ..
6 ـ جور العمال و ظلمهم : واجه الأمويون ثورات و فتن كثيرة، كلفت الدولة نفقات باهضة، و سقط فيها آلاف القتلى و الشهداء، في العراق و خراسان و الجزيرة و إفريقية، فاختار الأمويون الولاة من قساة الناس كزياد بن أبيه، و ابنه عبيد الله بن زياد، و الحجاج بن يوسف و ابن أخيه عمر بن يوسف الثقفي.. و أعطوهم الصلاحيات المطلقة في إخضاع الخارجين، و قمع الثورات، فكانوا ينكلون بمن يقع في قبضتهم، و كان من وجوه الظلم القتل بالشبهة، و مصادرة الأموال.
7 ـ الإخلال بمبدأ المساواة بين العرب و الموالي : تعصب بنو أمية للعرب، ووضعوا الموالي في درجة أدنى، وعهدوا إليهم بالأعمال الدنيا، و فرضت الجزية على من أسلم من الموالي، عندما كثرت نفقات الدولة بسبب الحروب، و فرضوا الخراج على أراضيهم، خلافا لأحكام الإسلام التي أعفتهم من الجزية و ألزمتهم بالعشر بدلا من الخراج، و أدى كل هذا إلى التحاق الموالي بأحزاب المعارضة، من علوية و خوارج، و دعم ثوراتهم على الحكم الأموي، كما أدى إلى إحياء فكرة الشعوبية و هي إحياء الموالي من الفرس لتقاليدهم و قوميتهم و التفاخر بها و الحط من شأن العرب.
8 ـ استتار الأخبار عن حكام الأمويين/ أي ضعف جهاز الإستخبارات :
أورد المسعودي ما قاله شيخ من شيوخ بني أمية في أسباب سقوط دولتهم :
" لقد شغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا، فظلمنا رعيتنا، فيئسوا من إنصافنا و تمنوا الراحة منا، و تحومل على أهل خراجنا فتخلوا عنا و خربت ضياعنا، و أمضوا أمورا دوننا، و أخفوا علمها عنا، و تأخر عطاء جندنا، فزالت طاعتهم لنا و استدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا، و طلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، و كان استتار الأخبار عنا من أوكد زوال ملكنا " .
9 ـ الثورة العباسة الساحقة .
2 ـ الثورة العباسية على الدولة الأموية / أسباب و عوامل نجاحها :
بتأثير الطغيان الذي ساس به الولاة جماهير المسلمين ، انصرف الناس إلى أمورهم ، تاركين أمور الدولة في يد الفئة الحاكمة بل انصرفوا إلى الاندماج في كل حركات الخروج على الدولة .. وقد تمخض كل ذلك عن ميلاد تنظيم من أدق التنظيمات في تاريخ الانقلابات السياسية ، وهو التنظيم العباسي الذي رفع الراية العلوية ( الرضا من آل البيت ) أيام سريته .. إلى أن وصل إلى الحكم .
ولم يك هذا التنظيم لينجح ويجد المناخ والعناصر الصالحة إلا نتيجة سياسة الولاة الغريبة عن روح الإسلام . انظر ( دراسة في سقوط 30 دولة ).
و كان الصراع بين العصبيتين القيسية و اليمنية من أسباب انهيار الدولة الأموية.
يقول محمود شاكر : " قامت الدولة العباسية نتيجة التخطيط و السرية " .. و قامت على العمل الإستخباراتي البحت .
فمفتاح العمل كان هو الدعوة إلى إرجاع الخلافة لآل البيت و هي دعوة رائجة و لها من يتعاطف معها خصوصا مع ضجر الناس من تردي الأوضاع في أواخر حكم بني أمية ..
كان لأبي مسلم الخراساني أحد أدهى دعاة العباسيين دورا كبيرا في قيام الدولة العباسية .. و لكن الثورة تأكل أبنائها فقد ضحى به أبو جعفر المنصور عند قيام الدولة لأنه أحس أنه ينافسه على الكرسي، و أنه كان يزعم الإنتماء إلى ملوك الفرس إبان الدعوة، فأصبح الآن يدعي الإنتماء إلى فرع عباسي، تهيئة منه لأرضية الإنقضاض على السلطة، فكان من المنصور أن قتله بحيلة ...
و هذا يعني أن الثورات التي لا تقوم إلا من أجل القضاء على نظام سابق دون الإتفاق على كيفية العمل في مرحلة ما بعد سقوطه، تأكل أبنائها لا محالة .. و يتحول صراعهم فيما بينهم .. لأنها لم تقم على مبادئ واضحة منذ البداية ...و قد رأينا هذا يتكرر في العديد من الثروات التي تأكل أبنائها و القائمين بها بمجرد ما يستتب الأمر أو حتى قبل أن يستتب.
فما هي أسباب نجاح الثورة العباسية ؟
أ ـ الشعار الجامع : تنتسب إلى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و سلم. صاحب الرفادة و السقاية ت 32 ه.
و إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس " اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل ". نصح ابن عمه الحسين بمبايعة يزيد و عدم الخروج عليه.
ت 68ه و أوصى ابنه الأكبر علي ( السجاد ) بعدم الدخول في سلطان ابن الزبير و إنما يذهب إلى الشام و يبايع عبد الملك بن مروان.
لكن علي بن عبد الله بن عباس كان يتشوف إلى الخلافة و يرى أن أهل البيت أحق بها من الأمويين، فغضب عليه الوليد بن عبد الملك و أهانه وجلده و طرده من الشام. توفي الوليد 95ه و تولى سليمان بن عبد الملك فأحسن إلى علي بن عبد الله، توفي سليمان 99ه و تولى عمر بن العزيز و أحسن إلى جميع بني هاشم.
ـ و في خلافة عمر بن عبد العزيز بدأ علي بن عبد الله و ابنه محمد بن علي بالعمل السري لتقويض الدولة الأموية. من 99 ه إلى 129 ه بالسرية التامة حيث أعلنت الثورة و استمر العمل العسكري إلى ربيع الأول 132 ه حيث بويع للخليفة العباسي الأول !
فقادة هذه الدعوة و الثورة ثلاثة ، هم : علي بن عبد الله ت 118، و محمد بن علي ت 125ه، و إبراهيم بن محمد ت 132ه غرسوا الغرس و قطفه غيرهم ..
و محمد بن علي هو العقل المدبر و الذي وضع الهيكل التنظيمي و حدد المهام و وضع الخطة التنفيذية :
ـ الحميمة مكان التخطيط
ـ الكوفة مركز الدعوة لبني العباس و التواصل مع خراسان.
ـ خراسان تجمع الدعاة و العمل العسكري.
في سبب اختياره لخراسان، قال :
الكوفة شيعة علي و ولده.
البصرة و سوادها عثمانية يقولون كن عبد الله المقتول و لا تكن عبد الله القاتل..
أما أهل الشام فلا يعرفون إلا معاوية و بني أمية.
أما أهل الجزيرة فخوارج و أعراب كأعلاج و مسلمون على أخلاق النصارى !
أما مكة و المدينة فقد غلب عليهم أبو بكر و عمر . أي هم أهل العبادة و الزهد.
و لكن عليكم بخراسان ففيها العدد الكثير و الجلد الظاهر.
فأرسل إليها الدعاة و جعل عليهم 12 نقيبا، و من بعدهم الدعاة 70 داعية، و دعاة للدعاة و عددهم 36. عمل منظم و محكم.
مهمتهم : الدعوة للرضا من آل محمد. من هو الرضا ؟ لا أحد يعلم !!
و كانوا لا يذكرون أحدا من القادة الثلاثة .. بل يكتمون أمرهم كتمانا تاما، و لا تواصل إلا مع كبير الدعاة في الكوفة . و أحيانا مع محمد بن علي في موسم الحج.
و بعد أن قويت الدعوة في خراسان انطلق الدعاة و بدأوا يدخلون المناطق و القرى على أنهم تجار ..
وجهوا دعاتهم في العراق و خراسان، و انضم إليهم العلويون و شيعتهم و معهم الموالي، و توحدت صفوفهم في مقاومة الأمويين.
و بعد وفاة محمد بن علي تولى ابنه إبراهيم و عيّن أبا مسلم الخراساني قائدا للثورة، فصار هو هازم الجيوش الأموية و مقيم الدعوة العباسية.
ـ اتجه إبراهيم من محمد إلى خراسان من الشام إلى خراسان على حمار. و كانت خراسان قد اشتد عودها و اكتملت قوة ثورتها. فتوجهوا بجيوش جرارة إلى الأمويين في عيد الفطر سنة 129 ه
و أعلنت الثورة قبل ذلك بخمسة أيام، و لبس الناس السواد و رفعوا الرايات السود.
فأين كان بنو أمية ؟ كانوا مشغولين بأنفسهم في الشام يتقاتلون على الحكم، و يعيشون عيشة الترف، فما صحوا إلا بعد أن أرسل لهم واليهم على خراسان، و لكن بعد فوات الأوان :
أرى تحت الرماد وميض جمر يوشك أن يكون له ضرام
و إن النار بالعودين تذكى و إن الحرب أولها كلام
إن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث و هام
أقول من التعجب ليث شعر ي أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياما فقل قوموا فقد حان القيام
فقام بنو أمية و لكن بعد فوات الأوان، و أمر مروان الحمار ـ و هو لقب لآخر خلفاء الأمويين لقب به لصبره و جلده ـ بالقبض على إبراهيم بن محمد و الذي كان قد عيّن أخاه عبد الله السفاح ـ السفاح كما يقول الأستاذ مهنا لسعة كرمه و سفحه المال ولا علاقة له بالقتل ـ
حرّك نصر بن سيار جيشا لمواجهة أبو مسلم الخراساني، و كانت أول مواجهة عسكرية فسقطت خراسان كلها بيد الخراساني، ثم توجه بجيشه إلى الكوفة و سيطر عليها، إلى أن خرج مروان بن محمد بالجيش الأموي إلى الموصل..
لكن البيعة كانت قد تمت لعبد الله أبو العباس السفاح، و كان أول ما قام به تشكيل جيش لمواجهة مروان بن محمد .
هرب مروان لما رأى من قوة بأسهم إلى مصر و لاحقه الجيش العباسي حتى قتله سنة 132ه في مصر !
و بهذا سقطت الدولة الأموية التي دامت 91 سنة و تسعة أشهر و خمسة أيام. و تعاقب عليها 14 خليفة.
قامت هذه الدولة بمنازعة مؤسسها معاوية بن أبي سفيان السلطان من علي بن أبي طالب و تأسيسه دولة في قلب الدولة، و تحويل النظام السياسي من خلافة راشدة إلى ملك عاض، و انتهت بثورة عباسية كاسحة.
الدروس المستفادة من الثورة العباسية.
جمع كل المعارضين تحت دعوة واحدة و جيش واحد في مناطق نائية عن المركز. ثم الثورة في كل منطقة برفع الرايات السود، و الهجوم كالصاعقة بجيوش جرارة .
إذن عندنا من جانب دعوة سرية تغلغت في مناطق مناسبة لكونها تشكلت من معارضين للأمويين بسبب الظلم الذي وقع عليهم لكونهم ليسوا عربا أو بسبب أنهم من شيعة علي و أهل البيت.
و تكون لديها جيش قوي .. و من جانب آخر دولة آيلة للسقوط بسبب عوامل داخلية نخرتها من الداخل ..
فعندما تجتمع أسباب السقوط من الداخل و قوة منظمة هاجمة من الخارج يكون السقوط حتمي . و هذا هو نفس القانون الذي جعل الاستعمار يهيمن على العالم العربي في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 حيث كان العالم العربي يعيش الشيخوخة و الفوضى و الضعف التام، و كان الإستعمار يعيش أقوى مراحله الفلسفية و الفكرية و العسكرية و العلمية، فكان الإنقضاض الوحشي .
الموالي غير العرب و أهل البيت كانوا يعيشون قمع الأمويين و يرون ترفهم و عنصريتهم البغيضة و في نفس الوقت يزعمون أنهم يمثلون الإسلام الرسمي ! فوجدوا من يستغل هذا الحنق ليجمعهم في دعوة مناهضة و لكن بسرية تامة استعداد للخروج الحاسم المنظم.
فماذا لو كان المضطهدون اكتفوا بالمظاهرات و رفع شعارات العداء؟ كان سيكون مصيرهم مثل مصير أصحاب رابعة !
فهنا ثلاثة قادة كبار و عظام ـ علي بن عبد الله بن عباس، و محمد بن علي، و إبراهيم بن محمد ـ لهم من العقل المدبر و الصبر على عدم استعجال قطف الثمار و طول النفس و بعد النظر ما جعل ثلاثتهم يذهبون دون أن يجلسوا على الحكم لكي يأتي الرابع و يقطف الثمرة و هو عبد الله أبو العباس السفاح !
لم يقوموا بمظاهرات، و لا أسسوا حزبا علنيا، و لا أعلنوا خروجا عشوائيا، و لا تحالفوا مع قوة صليبية استعمارية، أو يهودية .
فقط استغلوا :
1 ـ شعار أهل البيت.
2 ـ تجميع كل المضطهدين و الساخطين حوله .
ـ 3 ـ تكوين جيش بعيدا عن المركز.
4 ـ اعتماد السرية في كل التحركات حتى تحين لحظة الإنقضاض.
لهذا نجحت الثورة العباسية، و فشلت ما سواها من ثورات الخوارج التي قامت كرد فعل متسرع و بمواجهات عنيفة عسركيا و لكن عشوائية و بدون مناصرة كاسحة من القواعد الشعبية العريضة .. و بدون جيوش جرارة مكافئة لقوة الدولة المركزية فكان فشلها الحتمي عسكريا إضافة إلى الفشل الإعلامي حيث كان نشاط المؤسسة الدينية الرسمية متفوقا في تشويه دعاوى الخوارج و تكفيرهم .
و نلاحظ أن هذه اللعبة سوف تتكرر مرارا في تاريخنا، و فشل الكثير من الثورات لنفس الأسباب.
الملخص :
1 ـ لا جدوى من التظاهر و إبداء السخط و المعارضة العلنية للدولة، بل فيه نهاية العالم و المفكر بدون فائدة جماعية، سوى فائدة نيل الشهادة في حالة كونه على صواب و كونها على ظلم. و هنا مقولة لرشيد رضا تكتب بماء الذهب : الذي يضحي بنفسه من أجل شعوب نائمة كالذي يحرق نفسه لكي يضيء للعميان !
2 ـ الأعمال التغييرية و الثورية الفكرية و حتى الإبداعية التي لا ترضى عنها الدولة مهما كانت علنية و مسالمة فسوف تقطع رأسها حتما لأنها في نهاية المطاف تبقى " مخالفة " و تغرد خارج السرب.
3 ـ لذلك لا ينفع إلا التغيير الذي يعمل بسرية مطلقة و عقد تحالفات مع قوى معادية للدولة و بنفس طويل حتى تحين فرصة الإنقضاض.
الإشكال هنا هو أن الثورة العباسية تحالفت مع قوى من داخل الدولة نظرا لطبيعة العصر .. لكننا شاهدنا تجارب ثورات تحالفت مع قوى من خارج الدولة ضد شعوبها كنماذج الدول الرديفة للإستعمار منذ ما قبل سايكس بيكو إلى يومنا هذا ..
فنجاح كل الدول الخارجة من أقفاص سايكس بيكو هذا هو سر نجاحها و استمرارها، أي التحالف بل العمالة للدول الماسونية القوية الحاكمة للعالم ...
و لذلك فالتغيير اليوم في عصرنا يستحيل أن يكون ممكنا من داخل أي دولة ! لأنك لا تواجه دولة بل تواجه منظومة عالمية وراء تلك الدولة .. و الحل الوحيد هو أن تتحالف مع قوى كونية أكبر من تلك القوى العالمية.
و هذا يعني إذا أردت الثورة فعليك أن تثور كما ثار بنو العباس و إلا فالأحسن أن تجلس في بيتك..
فقد فشلت كل التجارب التي قامت على خلافها لأنها كانت عفوية شعبية شعبوية عاطفية تضحوية رغم كل ما قدمت من تفان و صدق و عاطفة جياشة و حرارة الفكرة و مصداقية المظلومية و شعارات دينية عامة و استعداد للتضحية، ففي الدولة الأموية فشلت كل محاولات الثورة و الخروج عليها :
فشلت ثورات الخوارج
و فشلت ثورة عبد الله بن الزبير
و تمثل ثورة عبد الله بن الزبير نموذج الحاكم الشرعي المنتخب، الذي يسلبه حكمه حاكم آخر . سوف تتكرر نفس التجربة الفاشلة مع مرسي في مصر 2011 !
كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قد بويع له في الحجاز و في العراق و ما يتبعه إلى أقصى مشارق ديار الإسلام، و في مصر و ما يتبعها إلى أقصى بلاد المغرب، و بايعت الشام أيضا إلا بعض جهات منها، ففي دمشق بايع الضحاك بن قيس الفهري لابن الزبير، و في حمص بايع النعمان بن بشير، و في قنسرين زفر بن الحارث الكلابي، و في فلسطين بايع ناتل بن قيس.. و لم يكن رافضا بيعة ابن الزبير في الشام إلا منطقة البلقاء و فيها حسان بن مالك بن بجدل الكلبي، و هكذا تمت البيعة لعبد الله بن الزبير في ديار الإسلام، و أصبح الخليفة الشرعي، و عين نوابه على الأقاليم،و تكاد تجمع المصادر على أن جميع الأمصار قد أطبقت على بيعة ابن الزبير خليفة للمسلمين، ولذلك صرّح العديد من العلماء و المؤرخين بأن بيعة ابن الزبير بيعة شرعية، و أنه أولى بها من مروان بن الحكم، فيروي ابن عبد البر عن مالك أنه قال : إن ابن الزبير كان أفضل من مروان ابن الحكم و كان أولى بالأمر منه، و من ابنه عبد الملك . و يقول ابن كثير : ثم هو ـ ابن الزبير ـ الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، و هو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه و قامت البيعة له في الآفاق و انتظم له الأمر، و يؤكد ابن حزم و السيوطي شرعية ابن الزبير، و يعتبران مروان ابن الحكم و ابنه عبد الملك باغين عليه خارجين على خلافته، كما يؤكد الذهبي شرعية ابن الزبير و يعتبره أمير المؤمنين ....
و لم يبايع ابن عمر ابن الزبير، مما يؤكد أن السلف الصالح كان لكل موقفه و اجتهاده و نظرته السياسية، فمنهم من بايع الخليفة ابن الزبير، و منهم من رفض، فلا وجود لما يقوله اليوم بعض الجهلة من أن للسلف الصالح عقيدة واحدة في عدم الخروج على الحاكم....فإن تحريم الخروج على الحاكم الصالح ليس منهجا للسلف و إنما هو دين الإسلام و سنة نبي الله صلى الله عليه و سلم، أما السلف من صحابة و تابعين و أتباع تابعين و من بعدهم، فهم بشر يجتهدون فيصيبون و يخطئون، و ليس لديهم إجماع قطعي ثابت في مسألة الثورة على الحكام، فقد ثار ابن الزبير، و ثار الحسين بن علي ، و ثار النفس الزكية، و كلهم من السلف بل صفوة السلف ...... و كذلك كان لابن عباس موقفا مخالفا، فقد بادر إلى بيعة يزيد بن معاوية، و لم يؤيد ابن الزبير الذي رفض البيعة، و في الوقت نفسه لم يعلن عداءه لابن الزبير و بقي كذلك إلى أن توفي رضي الله عنه .
أما ابن الحنفية فقد كان موقفه بعد وفاة يزيد ألا يبايع أحدا إلا في حالة اجتماع الناس عليه، و لما بايع ابن الزبير العديد من الناس، امتنع ابن الحنفية أيضا، و بقيت الأمور بينهما مضطربة إلى أن قتل ابن الزبير رضي الله عنه. 1 ( انظر تاريخ الدولة الأموية الشامل للمؤلف ).
فكل تجارب التاريخ تصرخ بأن المعادلة تقول أن من يملك الحق و أن صاحب الحق و أن صاحب الأسبقية كل هذا لا يفيد أمام جبهة تملك القوة ! و لو كانت القوة تستسلم للحق و تعترف به لما كان تاريخ البشرية هو هذا الذي نتعلم منه الدروس و العبر؛ بل لكان بين أيدينا تاريخا آخر يقول أن الأنبياء و المرسلين و الصالحين و المصلحين و العلماء الربانيين و خيرة البشر كانوا دائما هم القادة المتّبعون !! و لكن الأمر ليس كذلك..
أقول مرة أخرى : هل عندك جيش قوي مستعد لمواجهة المنظومة العالمية ؟! إذا كان تحت إمرتك هذا الجيش القوي فتفضّل و أعلن ثورتك .. و إلا فاذهب يا صاح !
نجحت التجربة النبوية لاستخدامها أسلوب الأنصار للمهاجرين.. و كان الأنصار شبه دولة قوية ..بل دولة بمعنى الكلمة بمعطيات عصرها.
و نجحت التجربة العباسية للأسباب المذكورة.
و نجحت التجربة الوهابية لتحالفها مع أمير له جيش و مدعوم من بريطانيا ( حتى لو كان الشيخ بن عبد الوهاب لا يعلم بتلك التفاصيل لانكبابه على العلوم العقائدية و عدم وعيه السياسي التاريخي العالمي في تلك الفترة ).
و نجحت الثورة الإيرانية لتحالفها مع الصهيونية العالمية ..
و التجربة السورية الثانية ما تزال مستمرة، و في منظورها الظاهري هي تجربة فاشلة أخرى .. و لكن الله يعلم إن كانت ستنتصر إذا تحقق شرط انتصارها ألا و هو نصرة قوة كبرى لها لسبب أو لآخر ..
أو تغير معادلة المنظومة العالمية المسلطة ..
و الدرس هنا هو :
المهم أن تتحالف مع القوة .
في السابق كان التغيير قطريا، و كانت القوة هي العصبية و القبائل و جيوشها الجرارة..
و في عصرنا أصبح التغيير ذا أبعاد عالمية، فلا يمكن تغيير دولة أو قطر بدون موافقة و ضوء أخضر من القوى العالمية، فصارت القوة هي الصهيونية و الماسونية و أمريكا و فرنسا و بريطانيا .. و لذلك فدول العالم اليوم كلها تدور في هذا الفلك لا يخرج عنها أحد إلا صار منبوذا و مطاردا.
هذه هي طبيعة العصر .. و لذلك لا معنى للمظاهرات و لا معنى للثورات ما دامت لا توجد القو ة التي تدعمها. فأن تثور في المزمبيق يعني أن عليك أن تواجه أمريكا و فرنسا !
إن الثورات لا تنجح لأنك نبي أو رسول أو من أهل البيت أو عظيم أو عبقري أو عالم يحفظ المتون أو فقيه كبير أو فيلسوف أو مفكر فريد من نوعه أو أنك صاحب حق و مظلوم أو حتى أنك منتخب مبايع من قبل أكثرية الشعب ! أو فيك كل صفات العظمة و العبقرية أو أنك الأولى بها و الأصلح ! كلا .. كل هذا لا يهم أبدا ..
الثورات تنجح لسبب واحد أوحد ـــــــــــ هو أنها تجد قوة جبارة تدعمها و تغطيها و تحميها . سواء كانت داخلية أو خارجية. و سواء كانت تلك القوة صالحة أو طالحة.
هذا الدرس علقوه حلقة في آذانكم و استذكروه و لا تنسوه أبدا..
لأنه خلاصة و لبّ تاريخ الأنبياء و المرسلين و الدول و الأمم و الحركات
و المذاهب و الفرق و الثورات في كل عصر و مصر .
ما كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم و هو من هو أن ينتصر و يؤسس دولة بدون الأنصار ! و هو من هو ...
أليس هو القائل بأبي هو و أمي : لولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ! و في هذا إشارة إلى سنته في هذه الأمور هي أن تكونوا في صف من ينصر دعوات الحق و يؤيدها و لا تكونوا في صف من يخذلها !
هذا قانون و سنة كونية تاريخية لا تتخلف ..
و لذلك فإذا رأيتم ثورة قد نجحت فتأكدوا أن هناك وراءها قوة كبيرة ظاهرة أو خفية بدون شك ..و لم تنجح كل ثورات العالم كالثورة الفرنسية و الثورة الروسية إلا لأنها كانت مدعومة من قبل قوى عالمية كبرى ..
و إذا رأيتم ثورة قد فشلت فتأكدوا أن وراء ذلك قوة كبيرة ظاهرة أو خفية بدون شك أيضا .
فالعبرة في الثورات و حركات التغيير بمن يملك القوة لا بمن يملك الحق أو الصوت أو الشعارات أو الفكرة أو النسب أو المظاهرات ..
فشلت تجارب الربيع العربي كلها ..لأنها في نهاية المطاف تجارب شعبية شعبوية عفوية تظاهرية، لا تملك جيشا! بل بقيت تنادي بالسلمية و السلمية حتى هدمت المساجد على الرؤوس و هتكت الأرواح و الأعراض.. في حين نجح انقلاب السيسي في لحظات، لأن وراءه القوة العسكرية و المخابراتية المدعومة من السفارة الأمريكية !
المراجع
علي عروسي تاريخ الدولة الأموية الدروس و العبر .
الدكتور نايف العجمي يوتوب.
مراجع أخرى.